عاشوراء والخلفيات الثقافية

2021-08-18

إن لكل ثقافة  تاريخها المعبر عن تجربتها، وطبيعة نظرتها للوقت، ودورة الزمن، المستندة إلى مجموعة النصوص والقيم والمعايير التي تؤمن بها، وتستمد منها الحاضر والمستقبل في ضوء الماضي، وتأتي الأيام ليترجم الناس معتقداتهم إلى واقع حياة، وينقلوا قيمهم من خلال ممارستهم من النظرية إلى التطبيق، ويستقبل العالم بعد أيام عاشوراء العاشر من محرم، ومن الطرائف في تسميته أنه لم يسمع في أمثلة الأسماء اسمًا على فاعولاء إلا أحرف قليلة كما قال ابن منظور، وعاشوراء واحد منها، وكذا اجتماع ثقافات مختلفة حول هذا اليوم مما يقل ويندر، فاجتمع لهذا التأريخ صيغة تقل، واجتماع  عقائد يندر.

      هذا اليوم اجتمعت فيه أحداث عدة: نصر الله لنبيه موسى -عليه السلام- على فرعون وملَئِه، ومقتل سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحسين بن علي -رضي الله عنهما- هذا ما ثبت في كتب الحديث والسير، ويورد بعض المفسرين مرويات في وقوع مناسبات في هذا اليوم لم تثبت، وما يعنينا من هذا كله قراءات الناس المختلفة لهذا اليوم، وشعائرهم الناتجة عن ذلك، فاليهود في عصر النبوة وكما تنقل كتب الحديث المعتمدة كانوا يصومونه بل ويعدونه عيدًا، ويلبسون نساءهم فيه الحلي والشارات [اللباس الحسن] ويعللون فعلهم بقولهم "هذا اليوم أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيمًا له" وعظمه النصارى تبعًا لهم، وما زال هذا اليوم يوسم لدى اليهود بيوم كيبور أو عيد الغفران ويعتقدون قداسته، ويخصونه بالصلاة والصيام، كما يصاحب هاتين الشعيرتين طقوس لا تخفى على المتخصصين في علم الأديان، ويختلفون في تقديمه أو تأخيره.

    وأما المسلمون فاختلفت قراءتهم لهذا اليوم فنجد الشيعة يرونه يوم ثورة المظلوم على الظالم، وانتصار الدم على السيف، ولاشك أن هذا معنى حسن، فمقتل سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصاب عظيم وخطب جلل، وفقد سيد شباب الجنة ليس بالأمر الهين، إلا أن هذا لا يبرر الممارسات السلبية التي تتمثل في جلد الذات بالتسويط والتطيير واللطم والصراخ، وتوشح السواد، ونزف الدم، وإعلان الأخذ بالثأر، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، مع أن المتقرر في النص الشرعي أن إحداث الجزع  والنياحة للمصائب القديمة منهي عنه، وهل لو كان الحسين بن علي -رضي الله عنه- يرى ما أحدثه القوم سيقر أم سينكر؟! وما الذي يعنيه التنافس المحموم من القنوات الفضائية الغربية لنقل مراسم العزاء وما يدور في الحسينيات في هذا اليوم؟ والتقرير على أن هذا هو الإسلام، وتلك هي ممارسة معتنقيه!

   ويقابل هذا العزاء احتفال من طوائف يرونه يوم فرح، فيظهرون مراسم الاحتفال، ويستحبون فيه الاكتحال والاغتسال والتوسعة على الأهل والعيال، بل ويروون أحاديث مكذوبة في فضائل ما يمارسونه.

   وأما أهل السنة فيقتفون فيه الأثر المحمدي، ويلتزمون الهدي النبوي فيصومونه معتقدين فيه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" معللين صومهم بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه" مبتعدين عن كل ما لم يثبت به النص، أو كان من اجتهادات البشر.

 أسأل الله أن يتقبل الصيام، وأن يوفقنا لاتباع السنة، وأن يجعله عامًا قادمًا بالنصر والعزة.

 

لاتوجد تعليقات حاليا!

button

إقرأ أيضا

اعدلوا بين ابنائكم

:  2022-03-08

:  55

أداب الحديث

:  2022-02-06

:  12

يوم الوشاح

:  2021-12-12

:  12

لماذا طلقن؟

:  2021-11-15

:  12

كل نفس ذائقة الموت

:  2021-10-20

:  12

عورة المسلم

:  2021-10-07

:  12