لا أشك أنها طرقت مسمع كل منا (فلان فقد وعيه) إذا أردنا انقطاع الصلة بين الإنسان ومحيطه الخارجي، ولهذا التفسير ركيزة عند المتخصصين من علماء النفس إذ إنهم يعرفون الوعي بأنه حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك، وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسه -في ظل هذا التعريف- هل الوعي تواصل الإنسان مع محيطه الخارجي دون فهم له؟ وهل وعي الراشد كالرضيع؟ وهل إدراك سطح لامع براق دون غور فيما تحته من المخاطر والآفات وعي؟! إن الوعي الحقيقي ما جاءت الشريعة بتقريره، والحض عليه، ولا أخال علماء النفس أغفلوه، إنه الوعي المستلزم للبصيرة، القائم على الفهم والاستيعاب، المحرك صاحبه للأهبة والاستعداد، المربي على فقه الأزمات لا الهروب منها، إنه الوعي الذي جاءت نصوص الشرع برسم معالمه في سابقة منهجية حضارية من خلال الدعوة إلى التفكر في الآيات، والنظر في أحوال المخلوقات، ونظر الإنسان في نفسه، وتفاصيل أحواله، والتأمل في أحوال الماضين، واستشراف المستقبل من مشكاة الوحي، وترك التعطيل لحواس الإنسان وتفعيلها للقيام بما خلقت لأجله، وإلا فإن صاحبه أصم وإن كان سمعه سليمًا، وأبكم ولو كان فصيحًا، وأعمى ولو كان بصيرًا، يقول تعالى {صم بكم عمي فهم لا يعقلون}، ونفض غبار الغفلة الطامس لنور القلب، المعمي بصيرته.
إن على كل منا أن يستيقظ من نوم طال ليله، وأن يدرك أهمية الوعي الذي غَيبناه، وأن ينظر إلى الحياة نظرة شمول وتكامل، وأن نهتم بتربية الأذهان كاهتمامنا بتربية الأبدان، وأن نعيد قراءة التاريخ لا للتغني به ولكن لاستلهام عبره، وكشف جوانب القوة والضعف فيه.
إضافة تعليق جديد