لماذا الطلاق بيد الرجل 2

2021-08-09

بالإضافة إلى ما تقدم ذكره في المقال السابق، لابد أن يُعلم أن لحل رابطة الزوجية ثلاثة طرق: فسخ الحاكم للعقد، والخلع، والطلاق، والأول مشترك بين الرجل والمرأة، والثاني خاص بالمرأة، والثالث خاص بالرجل.

وإن كان الإسلام جعل الطلاق في يد الرجل، فقد جعل للمرأة حق في فراق الرجل من طريقين:

1/ فسخ عقد النكاح وهي أن تفسخ عقد نكاحها لعيب خلقي في الرجل كالعنة والجذام وغيره، أو أن يمتنع الرجل عن أداء النفقة الزوجية، فللمرأة فسخ العقد دون أن تدفع عوضًا ماليًا على الفسخ؛ لوجود العيب في الزوج.

2/ الخلع: وهو افتداء المرأة من زوجها الكارهة له بمال تدفعه إليه ليتخلى عنها؛ وللخلع شروط ثلاثة هي:

أ- أن يكون البغض من الزوجة، فإن كان الزوج هو الكاره لها، فليس له أن يأخذ منها فدية، وإنما عليه أن يصبر عليها، أو يطلقها إن خاف أن يظلمها.

ب- ألا تطلب الزوجة الخلع حتى تبلغ درجة من الضرر تخاف معها ألَّا تقيم حدود الله تعالى في نفسها أو في حقوق زوجها.

جـ- ألا يتعمد الزوج أذية الزوجة حتى تخالع منه، فإن فعل فلا يحل له أن يأخذ منها شيئًا أبدًا، ودليل الخلع ما أخرجه البخاري من حديث ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم. قال رسول الله -صلى عليه وسلم-: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة".

ومن المفارقات العجيبة: في الوقت الذي تحتج فيه المرأة الناعقة بأقوال الغربيين على الطلاق، تحتج المرأة الإنجليزية على أبدية الزواج، وتتضرر المرأة الأمريكية من مساواتها بالرجل فيه، وقد بلغت نسبة الطلاق في أمريكا أكثر من 50%.

إن جعل الطلاق حقًا للمرأة والرجل على السواء، يوقع عند القضاء، مغالطة للواقع، وزج بالمرأة في براثين العذاب؛ لنفترض أن زوجًا ما أراد أن يطلق زوجته، وعزم على ذلك عزمًا وثيقًا لا رجعة فيه، فقيل له: اذهب إلى القاضي لتعرض عليه ما تريد، فذهب إليه، واجتهد بداهة في تجريح الزوجة؛ ليقتنع القاضي، ويحكم له بالطلاق الذي يريده، وسيسأل القاضي الزوجة، وستجتهد هي الأخرى في تجريح الزوج ردًا على ما فعل، ودفاعًا عن نفسها، وهنا سيكون القاضي بين احتمالين لا ثالث لهما:

الأول: أن يقتنع بوجهة نظر الزوج فيطلق، ولا نكون قد فعلنا شيئًا سوى الإساءة إلى العلاقة الزوجية -التي كانت بينهما- إساءةً يبعد معها أن تعود علائق المودة والرحمة، بخلاف ما لو كان قرار الطلاق مفردًا لا تشهير فيه ولا فضيحة؛ إن سلب الأزواج سلطة الطلاق وإعطاءها للمحاكم محادة لله ورسوله، وعصيان لشريعته، كما أن أصحاب العقول السليمة يمجونها إذ لا يمكن أن تكون نتائجها سوى ما حدث في أوروبا من تشهير، وفضح للخلافات الأسرية المخجلة، والوقائع الزوجية السيئة في المحاكم علانية.

الاحتمال الثاني: أن لا يقتنع القاضي بالطلاق، فيحكم برفضه، ويأمرهما باستمرار العيش معًا (دون إرادة الزوج على الأقل) وهنا نسأل: ما هي القوة التي يملكها القاضي أو غيره لجبر الرجل على العيش الكريم مع زوجه، ومعاشرتها بالمعروف؟ هل سيسكن معهما رجل شرطة؟ أم أن المراد هو حملها على الانفصال الجسدي المشروع في القوانين الغربية الذي يتخذ كل منهما فيه لنفسه رفيقًا آخر، وخدنًا!

إن نظام الإسلام في الطلاق، ورسم منهجيته نظام عادل لا يباريه أي نظام، كيف وهو نظام رب العالمين {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}

 

ولابد أن نفرق بين جمال النظام وعدالته، وسوء استخدامه، ولا يحاكم الدين من خلال تصرفات أفراده؛ لأن هذا خلاف النهج العلمي السليم، و كل نظام في الدنيا قابل لأن يساء استعماله، وكل صاحب سلطة عرضة لأن يتجاوزها إذا كان سيء الأخلاق، ضعيف الإيمان، ومع ذلك فلا يخطر على البال أن تلغى الأنظمة الصالحة، أو ينادي بإلغائها؛ لأن بعض الناس يسيء استعمالها، ويتجاوز حدود صلاحيته.

 لقد أقام الإسلام دعامته الأولى في أنظمته على يقظة الضمير المسلم، واستقامته، ومراقبته لربه، وسلك في سبيل تحقيق ذلك أقوم السبل، وإذا رجعنا إلى قاعدة الترجيح بين المصالح والمفاسد، رأينا أن مصالح إعطاء الرجل حق إيقاع الطلاق تترجح على مفاسد نزعه منه، أو إشراك غيره معه.

ثم إن الزواج قد شرعه الله لحكم سامية، ترجع إلى تكوين الأسر، وتكوينها إنما يكون بالمحافظة على سلامة الحياة الزوجية التي يجد الإنسان في ظلها الوارف السكينة القلبية، والتي يتبادل الزوجان في بهوها الفسيح روح المودة والمحبة، التي يزدهر في جوها التقي نبت البنين والبنات، فينمو ويثمر؛ ليكون أثرًا صالحًا للوالدين، ولأمتــهما، إن هذه الحياة أسمى من أن يسقط عمدها، ويخر سقفها، ويقطع سببها؛ لنزاع تافه، ونزعة طائشة فلا المرأة تسمع رغبة زوجها، ولا هو يصبر عليها، في حين حضور الشيطان للإفساد بينهما، فينجح في مهمته، ويندفع الرجل لإيقاع سلاحه "الطلاق" ليقطع ما أمر الله به أن يوصل، ثم لا يلبثان أن يمتلكهما الأسى والندم، فيذهب بالقلب والشعور ما يريانه على وجوه أطفالهما من الحزن والحيرة، ومظاهر اليتم والتشرد وهما على قيد الحياة، فأين رعاية الميثاق الغليظ والسكن والمودة؟!

ختامًا، لا يحسن بنا أن نكون أبواقًا لكثير من الأطروحات بل علينا أن نكون ناقدين لما نسمع.

لاتوجد تعليقات حاليا!

button

إقرأ أيضا

اعدلوا بين ابنائكم

:  2022-03-08

:  55

أداب الحديث

:  2022-02-06

:  12

يوم الوشاح

:  2021-12-12

:  12

لماذا طلقن؟

:  2021-11-15

:  12

كل نفس ذائقة الموت

:  2021-10-20

:  12

عورة المسلم

:  2021-10-07

:  12